موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الاثنين، 17 فبراير 2014

في تركيا أيضاً: فتش عن إيران/ 1

وجهات نظر
يحيى العراقي
ملاحظة: الحلقة الثانية هنا.
مع إعتذارنا للكاتب الفرنسي الكسندر دوما (Alexandre Dumas) على إستعارة وتحوير مقولته " فتش عن المرأة (Cherchez La Femme) " التي أطلقها في روايته موهيكانز باريس (Les Mohicans de Paris) الصادرة عام 1854م والمستقاة من فكر الفيلسوف الإغريقي شيرون (Chiron) وأساطير اليونان، نحاول اليوم تناول الأزمة الحالية في تركيا من زاوية جديدة وبعد جديد .. ربما لم يهتم البعض بالتركيز عليه وإبرازه بالقدر الكافي.

فمنذ أن تفجرت الفضيحة الأردوغانية (نسبة إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان) في نهاية العام الماضي ومؤسسات وأدوات الصحافة والإعلام المختلفة لم تنفك عن تناول القضية وتطوراتها والإسهاب في الحديث عنها وتحليلها. البعض وجد في الموضوع مادة للتشفي بأخر القلاع الإخوانية والأمل العريض بأن يكون هذا الأمر وتوابعه خاتمة لتجارب هذا التيار السياسي الديني الإسلامي على مستوى المنطقة والعالم وإيذاناً بزواله وإنفتاح الأفق واسعاً أمام التيارات العلمانية لتستحوذ على المشهد فيما البعض الأخر من تيارات سياسية دينية منافسة وأخرى معادية وجد الأمر فرصة تاريخية عليه إنتهازها للفوز والتكسب وملء الفراغ الناشئ عن ترنح هذا التيار وتهاويه هو وكل ما يمثله من توجهات. مشاعر وردود أفعال وتصرفات بعض المتشفين ومنهم إسلاميين ذوي إنتماء للأمة وعروبيين أثارت قدراً من الدهشة والإستغراب لدى البعض كونها تغفل تماماً أية إمكانية لأن تنطوي عملية سقوط هذا التيار بهذه الصورة وفي هذه المرحلة على مؤامرة تخدم من جملة ما تخدم أهدافاً معادية للأمة تتجاوز قضية تياراً ديني معين صاعداً فيها. صعود الأمة الحقيقي الأصيل المستلهم لتاريخها وتراثها والساعي لإستعادة مجدها ونهضتها تحت أي عنوان أو مسمى كان سواء كان ذلك إسلامياً أم قومياً عروبياً أصيلاً (بغض النظر عما يرافق ذلك الصعود من خطايا وأخطاء) لاشك هو المستهدف على الدوام.
وجود المؤامرة لا يمكن قطعاً أن يعني براءة المجرم الفاسد والمخطئ والمقصر مما إرتكب ويرتكب ولا يعني إعفائه أو التخفيف عنه ولا بأي شكل من الأشكال وصورة من الصور، وهو لا يصح ولا يصلح أن يُتخذ ستاراً للتغطية على الفساد والإجرام وتبريرهما، في النهاية المحاسبة الجادة واجبة ومطلوبة سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة. الأمر فقط رؤيا مطروحة يمكن أن تفيدنا نحن الضحايا في توسيع أفق فهمنا للقضايا التي نواجه والإستفادة من التجارب ونقلها من مستوى الحدث الفردي الفئوي المحلي العابر إلى الفعل المرتبط بقضايا الصراع الأوسع.
لقد ركزت أغلب المقالات حول فضيحة الفساد الأخيرة في تركيا (وهي فضيحة مركبة من ثلاث قضايا تم الكشف عنها بوقت متزامن وتمثل قضية بنك خلق الأهم والأكبر فيها) على تناولها من زاوية الصراع بين جناحين من أجنحة الحركة الإسلامية في تركيا أحدهما سياسي يمثله رئيس الوزراء وزعيم حزب العدالة والتنمية (ِAKP) السيد رجب طيب أردوغان (Recep Tayyip Erdogan) والثاني إجتماعي إقتصادي يمثله السيد محمد فتح الله غولن (Muhammed Fethullah Gülen) صاحب المؤسسات التعليمية والتنموية الإسلامية المعروفة وزعيم حركة خدمة (Hizmet Movement) والذي يقيم في الولايات المتحدة منذ منتصف العام 1999. تصريحات السيد أردوغان نفسه عن هذه القضية كان لها الدور الأكبر في توجيه الإنتباه نحو هذا البعد وهذه الزاوية وإضعاف الإهتمام بالأبعاد والزوايا الأخرى لها وفي المقدمة من ذلك الزاوية والبعد الإيراني المتصل بها بشكل مباشر.
السيد محمد فتح الله غولن داعية إسلامي وناشط إجتماعي ورجل إقتصاد ولد في إحدى قرى مدينة أرضروم في شرق تركيا في 27 نيسان من العام 1941 ويبلغ من العمر حالياً 72 عاماً.
 
غولن

تأثر غولن بأفكار الداعية الإسلامي التركي الكردي الصوفي سعيد النورسي الشهير ببديع الزمان نور الدين النورسي (1877 - 1960)
 
الشيخ سعيد النورسي


النورسي سبق غولن وأخرين في الدعوة لإحياء القيم الإسلامية والعودة للتمسك بها وعدم الإبتعاد عنها كثيراً بإعتبارها قيم حيوية فعالة أنتجت تجربة حضارية غنية بالإنجازات الكبرى ومنها إنجازات كبرى في التاريخ التركي حيث بنيت بإسمها وفي ظلها الإمبراطورية العثمانية المهيبة التي إمتدت لأكثر من خمسة قرون وكانت معلماً خالداً وعنواناً كبيراً. توجه النورسي وأمثاله في تركيا كان رد فعل على التطرف في النهج العلماني والذي كانت جذوره قد تأسست في تركيا في أثناء المراحل المتأخرة من عهد السلطنة العثمانية على يد جمعية الإتحاد والترقي التي رأت أن تراجع الدولة وشيوع الإضطهاد والصراعات الأثنية سببه في النهج الديني العقائدي والإستغراق في الغيبيات الدينية والإبتعاد عن المنهج العلمي المادي التجريبي. لقد أثرت رسائل النور للسيد النورسي في الإسلاميين ومنهم السيد فتح الله غولن حيث إجتمعت فيه الرغبة بالمحافظة على الأصول الإسلامية للمجتمع التركي والدفاع عنها بوجه طغيان النهج العلماني للدولة التركية الحديثة التي أقامها كمال أتاتورك، إلى جانب إعلاء شأن القضايا الروحية وقضايا السلام وحوار الأديان والأفكار.
الخلافات بين السيد أردوغان والسيد غولن لم تبدأ من الحادثة الأخيرة في نهاية العام 2013 بل كان لها جذور وبدايات تسبق الأزمة الحالية بالرغم من تاريخ التعاون القديم والطويل والهام بينهما.

أردوغان وغولن، أيام الوفاق القديمة
 فقد دب الخلاف أول الأمر حول أساليب السيد أردوغان في التعامل مع قضيتين هامتين إحداهما تتعلق بالسياسة الخارجية والنظرة إلى المصالح التركية والأخرى تتعلق بالسياسة الداخلية ونمط إدارة وعمل مؤسسات الدولة والمؤسسة القضائية على وجه الخصوص. أما الأولى فكان موضوعها إرسال سفينة المساعدات الإنسانية (ماوي مرمرة) وبقية سفن أطول الحرية إلى قطاع غزة في نهاية شهر أيار/ مايو 2010 وما واجه السفينة مرمرة من مشاكل وإعتداءات من قبل القوات الإسرائيلية في الطريق ومقتل عدد المواطنين الأتراك عليها حيث إنتقد غولن ما إعتبره تهوراً من أردوغان وسماحه بحركة السفن قبل موافقة إسرائيل على نشاطاتها ثم ما تلا ذلك من ردود أفعال عقدت العلاقة بين تركيا وإسرائيل.

سفينة مرمرة الزرقاء وعليها صور الضحايا
 والثانية متعلقة بكيفية إدارة أردوغان لأجهزة الشرطة والقضاء في التحقيقات الخاصة بقضية التنظيم السري المسمى أرغينكون (Ergenekon) ومخطط الإنقلاب العسكري المسمى عملية المطرقة (Balyoz Harekâtı) المستتر تحت خطة لمناورات عسكرية للجيش التركي بنفس العنوان والتي ظهرت تفاصيلها الدقيقة للجمهور من خلال تحقيق صحفي إستقصائي قام به الصحفي التركي الشاب محمد بارانصو (Mehmet Baransu) لصحيفة طرف (Taraf) الليبرالية التركية المستقلة مطلع العام 2010.


التحقيقات الأولية عن القضية وبداية الحديث عن خيوطها الأولى بدأ في العام 2007.


ثم توالت موجات الإعتقالات والإتهامات فيها لتشمل ضباطا أتراك كبار حيث إعترض غولن على أن التحقيق في هذه القضية تولته جهات تحقيقية خاصة تحت إشراف رئيس الوزراء وليس مؤسسات القضاء العادية التي يملك السيد غولن نفوذاً قوياً فيها والتي لم يتسنى لها الدخول على خط هذه القضية قبل العام 2008.
هنا يبدو أن السيد أردوغان وحزبه قد إعتمدوا في كشفهم لهذا المخطط الإنقلابي الخطير الذي أعاد إلى الأذهان كوابيس مأساة نهاية رئيس الوزراء السابق المعدوم عام 1960 عدنان مندريس (Adnan Menderes) .
وفاجأ السيد غولن انهم قد إعتمدوا في كشفه على جهود السيد حقان فيدان (Hakan Fidan) الذي كان قد منح في العام 2007 درجة مساعد وكيل وزير (Deputy Undersecretary) وألحق للعمل بمكتب رئيس الوزراء وذلك بعد أن كان مسؤولاً عن وكالة التعاون والتنسيق التركية الدولية (Turkish International Cooperation and Coordination Agency / TIKA) وهي مؤسسة نفوذ إقتصادي مشابهة للمؤسسة الأمريكية المعروفة (USAID) والتي تمثل غطاءاً وأداة لمد النفوذ الأمريكي في العالم عبر قطاع المساعدات والتعاون الإقتصادي.

حقان فيدان
حقان فيدان هذا كان في الأصل عسكري (نائب ضابط) من مواليد العاصمة أنقرة في العام 1968. إلتحق بالجيش في العام 1986 وتدرج في الرتب الصغيرة فيه بدءاً من أسفل السلم. ترك فيدان الخدمة الجيش في العام 2001 بعد أن استمر لأكثر من 15 عاماً في العمل في صفوفه. عمل بعد ذلك موظفاً في السفارة الأسترالية في تركيا لفترة قصيرة ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الإدارة والعلوم السياسية في جامعة مريلاند الأمريكية (University of Maryland University College) ليعود بعدها في العام 2003 إلى تركيا ليستكمل الدراسة فيها وينال درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة بلكنت (Bilkent University) التركية وينجح أن يصبح في هذه الأثناء رئيساً لوكالة حكومية هامة ترتبط بمؤسسة رئاسة الوزراء وتعمل في قطاع ذي صلة بحقل السياسة الخارجية والإستخبارات. رسالته في الماجستير كانت بعنوان: المخابرات والسياسة الخارجية، مقارنة بين بريطانيا والولايات المتحدة ومنظومة الإستخبارات التركية. أما رسالته في الدكتوراه فكانت بعنوان: الدبلوماسية في عصر المعلوماتية، دور تكنولوجيا المعلومات في التحقق. من الجدير بالإنتباه هنا أن المدد الزمنية ومسيرة الرجل السابقة تثير الكثير من الريبة في موضوع شهاداته الدراسية بالرغم من أن جامعة بلكنت في تركيا تعد واحدة من الجامعات المرموقة من حيث السمعة الأكاديمية سواء على مستوى تركيا أو العالم.
في خريف العام 2007 أصبح فيدان يعمل مرتبطاً بمكتب رئيس الوزراء مباشرة وبدرجة معاون وكيل وزارة (Deputy Undersecretary) ثم رقي بعدها في العام 2010 ليكون على رأس جهاز الإستخبارات التركي (MIT).
فيدان نفسه كان نقطة توتر بين غولن وأردوغان حين أدار في العام 2009 مفاوضات سرية مع حزب العمال الكردي التركي في أوسلو ومع زعيمه السجين عبدالله أوجلان، حيث تم في العام 2011 تسريب شريط مسجل للإعلام عن تلك المحادثات وتم فتح تحقيق بهذا الشأن من قبل الأجهزة القضائية (التي يمتلك السيد غولن نفوذاً فيها) بتهمة الإتصال بعدو إرهابي والتفاوض معه سراً إلا أن السيد أردوغان قدم لفيدان الدعم والتغطية والحماية على جهوده في هذا الميدان. إنجازات السيد فيدان مع حزب العمال الذي لدى إيران نفوذ واسع عليه عزز من مواقع فيدان ونفوذه في هيكل السلطة.
من مفارقات الصراع بين أجنحة السلطة المختلفة في تركيا ما جرى في حادثة تفجير بلدة الريحانية التركية في يوم السبت 11 أيار / مايو 2013 والتي ظلت جوانب منها ملتبسة وغامضة لتورط أتباع أكثر من طرف في تسهيل حدوثها بقصد الإستفادة منه في إلحاق الأذى بالأطراف الأخرى عن طريق التوظيف السياسي للحدث وتبعاته بتحميل مسؤولية التقصير في تلافيه وتسريب أخبار التورط في تسهيل حدوثه إعلامياً. لاشك أن الأذرع الإستخبارية الإيرانية الموجودة في تركيا وفي عموم المنطقة متدخلة بقوة وبأكثر من طريق فهي تجيد وتبدع في الإختراق وفي تجميع المواد والعناصر الأولية لهكذا أحداث وتعمل على إستثارتها وتحفيز تفاعلاتها وإستيلاد المشاكل منها بل المبادرة إلى إختراعها من العدم إن تعذر الأمر ليتسنى لها التلاعب بها وجني المكاسب والفوائد منها بصورة تتجاوز حدود أي تصور.




يتبع رجاءً..

هناك 3 تعليقات:

Ishtar Babel يقول...

راس التنين في الشرق الاوسط برمته،،

Salah Faraj يقول...

الذي يخرب في أمريكا الجنوبية وبقية العالم الايمكنه التخريب في تركيا

Salah Faraj يقول...

الذنب ذنب العرب الذين تركوا الأحواز الغنية بالنفط بيد المجوس فاصبحوا يسخرون المال لخراب العالمم كاليهود . اما اذا ما آفاق العرب من غفوتهم واعلنوا إخوتهم الأحوازيين فسنرجح كفتنا . ولكن عرب وين وطنبورة وين . جماعتنا نائمين نومة أهل الكهف ولو ان أهل الكهف فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدا . اما جماعتنا فقد زادهم الله ضلالا.

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..